كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الشنقيطي:
ومذهب الشافعي- رحمه الله- الفرق بينهما، فابن عرس حلال عند الشافعية بلا خلاف، لأنه ليس له ناب قوي، فهو كالضب، واختلف الشافعية في ابن آوى.
فقال بعضهم: يحل أكله، لأنه لا يتقوى بنابه فهو كالأرنب.
والثاني: لا يحل. لأنه مستخبث كريه الرائحة، ولأنه من جنس الكلاب، قاله النووي، والظاهر من مذهب مالك كراهتهما.
وأما الوبر، واليربوع، فأكلهما جائز عند مالك وأصحابه. وهو مذهب الشافعي، وعليه عامة أصحابه، إلا أن في الوبر وجهًا عندهم بالتحريم.
وقد قدمنا أن عمر أوجب في اليربوع جفرة، فدل ذلك على أنه صيد، ومشهور مذهب الإمام أحمد أيضًا جواز أكل اليربوع، والوبر.
وممن قال بغباحة الوبر عطاء: وطاوس، ومجاهد، وعمرو بن دينار، وابن المنذر، وأبو يوسف.
وممن قال بإباحة اليربوع أيضًا: عروة، وعطاء الخراساني، وأبو ثور، وابن المنذر، كما نقله عنهم صاحب المغني.
وقال القاضي من الحنابلة بتحريم الوبر، قال: في المغني، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، إلا أبا يوسف، وقال أيضًا: إن أبا حنيفة. قال: في اليربوع أيضًا هو حرام، وروي ذلك عن أحمد أيضًا، وعن ابن سيرين والحكم، وحماده. لأنه يشبه الفأر، ونقل النووي في شرح المهذب عن صاحب البيان عن أبي حنيفة تحريم الوبر، واليربوع، والضب، والقنفذ، وابن عرس.
وممن قال بإباحة الخلد والضربوب مالك وأصحابه.
وأما الأرنب: فالتحقيق أن أكلها مباح لما ثبت في الصحيحين عن أنس، رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم: «أهدي له عضو من أرنب فقبله»، وفي بعض الروايات: «فأكل منه»، وقال ابن قدامة: في المغني أكل الأرنب سعد بن أبي وقاص، ورخص فيها أبو سعيد، وعطاء، وابن المسيب، والليث، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر. ولا نعلم أحدًا قائلًا بتحريمها، إلا شيئًا روي عن عمرو بن العاص. اهـ.
وقال الشنقيطي:
وأما الضب: فالتحقيق أيضًا جواز أكله لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا أو أطعموا فإِنه حلال». وقال: «لا بأس به، ولكنه ليس من طعامي» يعني الضب، ولما ثبت أيضًا في الصحيحين من حديث خالد، رضي الله عنه: «أنه أكل ضبًا في بيت ميمونة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه»، وقد قدمنا قول صاحب البيان عن أبي حنيفة بتحريم الضب.
ونقله في المغني عن أبي حنيفة أيضًا، والثوري تحريم الضب، ونقل عن علي النهي عنه، ولم نعلم لتحريمه مستندًا، إلا ما رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر، رضي الله عنه، أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «أتي بضب، فأبى أن يأكله» قال: «إني لا أدري لعله من القُرون الأولى التي مسخت»، وأخرج مسلم نحوه أيضًا من حديث أبي سعيد مرفوعًا، فكأنه في هذا الحديث علل الامتناع منه باحتمال المسخ، أو لأنه ينهش، فأشبه ابن عرس، ولكن هذا لا يعارض الأدلة الصحيحة الصريحة التي قدمناها بإباحة أكله، وكان بعض العرب يزعمون أن الضب من الأمم التي مسخت، كما يدل له قول الراجز:
قالت- وكنت رجلًا فطينًا- ** هذا- لعمر الله- إسرائينا

فإن هذه المرأة العربية أقسمت على أن الضب إسرائيلي مسخ.
وأما الجراد: فلا خلاف بين العلماء في جواز أكله، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن أبي أوفى أنه قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد» اهـ.
وقال الشنقيطي:
وميتة الجراد من غير ذكاة حلال عند جماهير العلماء لحديث: «أحلت لنا ميتتان ودَمان» الحديث.
وخالف مالك الجمهور، فاشترط في جواز أكله ذكاته، وذكاته عنده ما يموت به بقصد الزكاة، وهو معنى قول خليل بن إسحاق المالكي في مختصره، وافتقر نحو الجراد لها بما يموت به، ولو لم يعجل كقطع جناح.
واحتج له المالكية بعدم ثبوت حديث ابن عمر المذكور: «أحلت لنا ميتتان» الحديث. لأن طرقه لا تخلو من ضعف في افسناد، أو وقف، والأصل الاحتياج إلى الذكاة لعموم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]، وقال ابن كثير في تفسير آية المائدة. ما نصه وقد قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحل لنا ميتتان ودمان. فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال»، وكذا رواه أحمد بن حنبل وابن ماجه، والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف.
قال الحافظ البيهقي: ورواه إسماعيل بن أبي إدريس عن أسامة، وعبد الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن ابن عمر مرفوعًا. قلت: وثلاثتهم كلهم ضعفاء، ولكن بعضهم أصلح من بعض، وقد رواه سليمان بن بلال أحد الأثبات، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر فوقفه بعضهم عليه. قال الحافظ أبو زرعة الرازي: وهو أصح. اه من ابن كثير، وهو دليل لما قاله المالكية، والله تعالى أعلم.
قال مقيده- عفا الله عنه: لكن للمخالف أن يقول: إن الرواية الموقوفة على ابن عمر من طريق سليمان ابن بلال عن زيد بن أسلم عنه صحيحة، ولها حكم الرفع. لأن قول الصحابي: أحل لنا، أو حرم علينا له حكم الرفع.
لأنه من المعلوم أنهم لا يحل لهم، ولا يحرم عليهم، إلا النَّبي صلى الله عليه وسلم. كما تقرر في علوم الحديث، وأشار النووي في شرح المهذب إلى أن الرواية الصحيحة الموقوفة على ابن عمر لها حكم الرفع، كما ذكرنا وهو واضح، وهو دليل لا لبس فيه على إباحة ميتة الجراد من غير زكاة.
والمالكية قالوا: لم يصح الحديث مرفوعًا، وميتة الجراد داخلة في عموم قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] الآية، وافتقار الجراد إلى الزكاة بما يموت به، كقطع رأسه بنية الذكاة أو صلقه أو قليه.
كذلك رواية أيضًا عن الإمام أحمد نقلها عنه النووي في (شرح مسلم) (وشرح المهذب)، والله تعالى أعلم.
وأما الطير: فجميع أنواعه مباحة الأكل إلا أشياء منها اختلف فيها العلماء.
فمن ذلك كل ذي مخلب من الطير يتقوى به ويصطاد: كالصقر والشاهين والبازي والعقاب والباشق، ونحو ذلك.
وجمهور العلماء على تحريم كل ذي مخلب من الطير كما قدمنا، ودليلهم ثبوت النهي عنه في صحيح مسلم وغيره، وهو مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة.
ومذهب مالك- رحمه الله- إباحة أكل ذي المخلب من الطير لعموم قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ} [الأنعام: 145] الآية. ولأنه لم يثبت عنده نص صريح في التحريم.
وممن قال كقول مالك: الليث والأوزاعي ويحيى بن سعيد، وقال مالك: لم أر أحدًا من أهل العلم يكره سباع الطير، وقال ابن القاسم: لم يكره مالك أكل شيء من الطير كله الرخم والعقبان والنسور والحدأة والغربان، وجميع سباع الطير وغير سباعها، ما أكل الجيف منها، وما لم يأكلها.
ولا بأس بأكل الهدهد والخطاف، وروى على كراهة أكل الخطاف ابن رشد لقلة لحمها مع تحرمها بمن عششت عنده، انتهى من المواق في شرحه لقول خليل في مختصره وطير، ولو جلالة.
ومن ذلك الحدأة والغراب الأبقع: لما تقدم من أنهما من الفواسق التي يحل قتلها في الحل والحرم، وإباحة قتلها دليل على منع أكلها، وهو مذهب الجمهور خلافًا لمالك، ومن وافقه كما ذكرنا آنفًا.
وقالت عائشة رضي الله عنها: إني لأعجب ممن يأكل الغراب، وقد أذن صلى الله عليه وسلم في قتله، وقال صاحب المهذب بعد أن ذكر تحريم أكل الغراب الأبقع، ويحرم الغراب الأسود الكبير لأنه مستخبث يأكل الجيف فهو كالأبقع.
وفي الغداف، وغراب الزرع وجهان:
أحدهما: لا يحل: للخبر.
والثاني: يحل: لأنه مستطاب يلقط الحب فهو كالحمام والدجاج، وقال ابن قدامة في المغني ويحرم منها ما يأكل الجيف كالنسور والرخم وغراب البين وهو أكبر الغربان والأبقع. قال عروة: ومن يأكل الغراب، وقد سماه النَّبي صلى الله عليه وسلم فاسقًا؟ والله ما هو من الطيبات اهز.
قال مقيده- عفا الله عنه: الظاهر المتبادر أن كل شيء أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله بغير الذكاة الشرعية أنه محرم الأكل، إذ لو كان الانتفاع بأكله جائزًا لما أذن صلى الله عليه وسلم في إتلافه كما هو واضح.
وقال النووي: الغراب الأبقع حرام بلا خلاف للأحاديث الصحيحة، والأسود الكبير فيه طريقان:
إحداهما: أنه حرام.
والأخرى: أن فيه وجهين: أصحهما التحريم.
وغراب الزرع فيه وجهان مشهوران: أصحهما أنه حلال، وهو الزاغ، وهو أسود صغير، وقد يكون محمر المنقار والرجلين اه، منه بالمعنى في شرح المهذب.
ومن ذلك الصرد. والهدهد. والخطاف. والخفاش: وهو الوطواط.
ومذهب الشافعي: تحريم أكل الهدهد والخطاف.
قال صاحب المهذب: ويحرم أكل الهدهد والخطاف. لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلهما، وقال النووي في شرح المهذب أما حديث النهي عن قتل الهدهد فرواه عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنخلة، والهدهد والصرد» رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ذكره في آخر كتابه، ورواه ابن ماجه في كتاب الصيد بإسناد على شرط البخاري، وأما النهي عن قتل الخطاف فهو ضعيف ومرسل، رواه البيهقي بإسناده عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية، وهو من تابعي التابعين، أو من التابعين عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن قَتل الخطاطيف»، ثم قال: قال البيهقي: هذا منقطع. قال: وروى حمزة النصيبي فيه حديثًا مسندًا إلا أنه كان يرمى بالوضع اه. ومما ذكره النووي تعلم أن الصرد والهدهد لا يجوز أكلهما في مذهب الشافعي لثبوت النهي عن قتلهما، وقال النووي أيضًا: وصح عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفًا عليه أنه قال: «لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح، ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال: يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم»، قال البيهقي إسناده صحيح.
قال مقيده- عفا الله عنه: والظاهر في مثل هذا الذي صح عن عبد الله بن عمرو من النهي عن قتل الخفاش والضفدع أنه في حكم المرفوع لأنه لا مجال للرأي فيه. لأن علم تسبيح الضفدع وما قاله الخفاش لا يكون بالرأي، وعليه فهو يدل على منع أكل الخفاش والضفدع.
وقال ابن قدامة في المغني: ويحرم الخطاف والخشاف أو الخفاش وهو الوطواط، قال الشاعر:
مثل النهار يزيد أبصار الورى ** ورًا ويعمي أعين الخفاش

قال أحمد: ومن يأكل الخشاف؟ وسئل عن الخطاف فقال: لا أدري، وقال النخعي: أكل الطير حلال إلا الخفاش، وإنما حرمت هذه لأنها مستخبثة لا تأكلها العرب اهـ. من المغني.
والخشاف هو الخفاش، وقد قدمنا عن مالك وأصحابه جواز أكل جميع أنواع الطير: واستثنى بعضهم من ذلك الوطواط.
وفي الببغا والطاوس وجهان للشافعية: قال البغوي وغيره وأصحهما التحريم.
وفي العندليب والحمرة لهم أيضًا وجهان: والصحيح إباحتهما، وقال أبو عاصم العبادي: يحرم ملاعب ظله وهو طائر يسبح في الجو مرارًا كأنه ينصب على طائر، وقال أبو عاصم أيضًا: والبوم حرام كالرخم، قال: والضوع بضم الضاد المعجمة وفتح الواو وبالعين المهملة حرام على أصح القولين، قال الرافعي: هذا يقتضي أن الضوع غير البوم، قال: لكن في صحاح الجوهري أن الضوع طائر من طير الليل من جنس الهام، وقال المفضل: هو ذكر البوم، قال الرافعي: فعلى هذا إن كان في الضوع قول لزم إجراؤه في البوم لأن الذكر والأنثى من الجنس الواحد لا يفترقان، قاله النووي: ثم قال: قلت: الأشهر أن الضوع من جنس الهام فلا يلزم اشتراكهما في الحكم.
وأما حشرات الطير، كالنحل، والزنانير، والذباب، والبعوض، ونحو ذلك: فأكلها حرام عند الشافعي وأحمد، وأكثر العلماء لأنها مستخبثة طبعًا، والله تعالى يقول: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث} [الأعراف: 157].
ومن ذلك الجلالة: وهي التي تأكل النجس، وأصلها التي تلتقط الجلة بتثليث الجيم: وهي البعر، والمراد بها عند العلماء: التي تأكل النجاسات من الطير والدواب.
ومشهور مذهب الإمام مالك جواز أكل لحم الجلالة مطلقًا، أما لبنها وبولها فنجسان في مشهور مذهبه ما دام النجس باقيًا في جوفها، ويطهر لبنها وبولها عنده إن أمسكت عن أكل النجس، وعلفت علفًا طاهرًا مدة يغلب على الظن فيها عدم بقاء شيء في جوفها من الفضلات النجسة، وكره كثير من العلماء لحم لجلالة ولبنها، وحجتهم حديث ابن عباس أن النَّبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ألبان الجلالة: قال النووي في شرح المهذب: حديث ابن عباس صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة، قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح اهـ.
وقال النووي في حد الجلالة: والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا اعتبار بالكثرة، وإنما الاعتبار بالرائحة والنتن، فإن وجد في عرقها وغيره ريح النجاسة فجلالة، وإلا فلا، وأكل لحم الجلالة وشرب لبنها مكروه عند الشافعية، والصحيح عندهم أنها كراهة تنزيه، وقيل: كراهة تحريم.
وقال ابن قدامة في المغني: قال أحمد: أكره لحوم الجلالة وألبانها. قال القاضي في المجرد: هي التي تأكل القذر، فإذا كان أكثر علفها النجاسة حرم لحمها ولبنها.
وفي بيضها روايتان: وإن كان أكثر علفها الطاهر لم يحرم أكلها ولا لبنها، وتحديد الجلالة بكون أكثر علفها النجاسة لم نسمعه عن أحمد، ولا هو ظاهر كلامه، لكن يمكن تحديده بما يكون كثيرًا في مأكولها ويعفى عن اليسير، وق لالليث إنما كانوا يكرهون الجلالة التي لا طعام لها إلا الرجيع وما أشبهه، وقال ابن أبي موسى في الجلالة روايتان:
إحداهما: أنها محرمة.
والثانية: أنها مكروهة غير محرمة، وهذا قول الشافعي، وكره أبو حنيفة لحومها والعمل عليها حتّى تحبس، ورخص الحسن في لحومها وألبانها. لأن الحيوانات لا تتنجس بأكل النجاسات. بدليل أن شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه، والكافر الذي يأكل الخنزير والمحرمات لا يكون ظاهره نجسًا، ولو نجس لما طهر بالإسلام ولا الاغتسال، ولو نجست الجلالة لما طهرت بالحبس اهـ.